الزجاج ذلك الساحر الشفاف المسطح تارة و المجسم تارة اخرى عديم اللون احيانا و الملون احيان اخرى الصلب فى قوة الفولاذ الناعم كالحرير .
و يعد من العسير تحديد تاريخ او منطقة بداية ظهور الزجاج خلال فترة ما قبل الميلاد الا انه من المؤكد تاريخيا ان المصريين القدماء اول من صنعوا الزجاج و كانوا يحصلون عليه بخلط رمل السيلكا و الحجر الجيرى .
و هناك انواع كثيرة من الخرز و التعاويذ الزجاجية وجدت فى العديد من مقابرهم و توابيتهم ، كما استخدم المصرى القديم مادة الزجاج ك طلاء للاسطح و الطبقات الخارجية للادوات و الآنية الفخارية و ايضا ك طلاء خارجى للواجهات المعمارية للمقابر .
و مرت صناعة الزجاج عبر العصور بتطورات عديدة ف عرف العالم الزجاج الملون و انتشرت صناعته فى العديد من دول اوروبا الغربية الا ان استخدامه اقتصر على الملوك و الامراء .
و كان لاكتشاف انبوبة النفخ الجوفاء الفضل الأعظم فى تعدد الاشكال و الاعمال الزجاجية كما كان لها الفضل فى امكانية انتاج كم كبير من اعمال الزجاج .
و ظل الزجاج على هذا النحو الا ان تم اكتشاف الالواح الزجاجية المسطحة لتغطية فتحات النوافذ ونالت شهرة واسعة حتى ان الامبراطور جستنيان استقدم عددا كبيرا من صناع الزجاج المهرة ليقوموا على عمل الزجاج الخاص بكنيستة التى عرفت بأسم آيا صوفيا او الحكمة المقدسة الموجودة فى مدينة اسطنبول القديمة الآن و قد غطت جدرانها بصور القديسين المصنوعة من الزجاج الملون و تعد من اعظم قطع الزجاج التى اُنتجت فى ذلك الوقت .
و كان للتغيرات الفكرية و الاجتماعية التى سادت اوروبا فى تلك الفترة الزمنية اكبر اللأثر فى تطور صناعة الزجاج حيث شهدت مناطق متعددة من الغرب امتلاء الكنائس و الكاتدرائيات بفنون الزجاج المختلفة و ظهر فن تعشيق الزجاج الملون بالرصاص و تعددت مدارسه و اساليبه و استطاع فيه الفنانون ايجاد علاقة تآلف بين فنون الزجاج و المسطحات المعمارية فى واحدة من اروع العلاقات التى اثرت فنون العمارة بصفة عامة و فنون الزجاج بصفة خاصة .
و عندما جاء الفتح الاسلامى تأثرت حضارات العرب بحضارات الدول التى دخلها الاسلام و بدأت المنتجات الزجاجية تتخذ نهجا اخر بخلاف ما كانت عليه فى العهود السابقة اذ تصدرت الزخارف الهندسية و النباتية و الأيات القرانية الأعمال الزجاجية و ظهرت المشكاوات و القناديل حتى بلغ الأمر بصناع تلك الحقبة الزمنية ان استخدموا الذهب فى زخرفة المنتجات الزجاجية و ظهرت الشمسيات و القمريات و هو فن ارتبط بالعمارة الاسلامية بصفة خاصة حيث استطاع ان يحقق المعادلة بين القيمة الجمالية و النفعية فى آن واحد مستخدماَ قطع الزجاج الملون داخل تشكيل من خامة الجص من خلال فكرة زخرفية هندسية رائعة ، و قد انتشر هذا الفن فى الشرق اكثر من انتشاره فى دول الغرب نظرا لعدم مواءمة الجبس لطبيعة المناخ الاوروبى .
و على الجانب الاخر كان هناك فنا موازيا يعد فناً شرقياَ خالصاَ هو فن الفسيفساء و هو فن رص الاحجارالمنمنمة بجوار بعضها بألوان و احجام مختلفة للحصول لوحة فنية من خامات الطبيعة ثم تثبيتها بالطمى او الجبس ، ثم جاء البيزنطيون ف استبدلوا الاحجار الطبيعية بالرخام و من ثم استبدلوها بالزجاج الملون و تعد قبة كنيسة ايا صوفيا من الداخل بتركيا من اجمل اعمال هذا الفن و قد تحولت الى مسجد اسلامى ابان العهد العثمانى .
و إستُخدم الزجاج فى العصر الحديث فى كافة المنتجات الحياتية مثل ادوات المائدة و اوانى الطهى و ايضا فى الديكور ك حوائط و فواصل بين الحجرات بحيث يجمع بين النواحى الجمالية و النفعية فى ذات الوقت كما انه سهل التنظيف و يسمح بمرور الضوء و الأشعة الطبيعية بالاضافة لكونه مانع للاتربة و الحشرات .
و سيظل الزجاج فى تطور دائم عبر العصور مهما اختلفت الثقافات و تعددت البدائل ف هو يحمل فى خواصه اسرار كونية تجعله ذو رونق خاص و جمال آخاذ شاهدا على حضارتنا التى نقلت للعالم تلك الصناعة لتغزل داخل التراث الانسانى نسيج اقدم حضارة عرفها العالم .
نرمين عليـــم
فنانة تشكيلية